تقرير المراقبين العرب في سوريا – تمديد وشيك لمهمة فاشلة
١٩ يناير ٢٠١٢بعثة المراقبين العرب إلى سوريا اعتبرت ميتة قبل ولادتها. الكثيرون شككوا في مدى فعالية اللجنة المتكونة من 160 شخصا في مراقبة التزام دولة في حجم سوريا بتعهداتها تجاه المبادرة العربية لوقف العنف وتسوية الأزمة في البلاد بطرق سلمية. بل وصل هذا التشكك أحيانا إلى اتهام اللجنة بمنح نظام قمعي غطاء دبلوماسيا للقضاء على الاحتجاجات وتبييض صورته.
وبعد مرور شهر على توقيع دمشق على بروتوكول المبادرة العربية، وهي المدة المحددة لانتهاء تفويض المراقبين العرب، يتضح أن الشكوك والانتقادات لم تكن اعتباطية وأن بعثة الجامعة العربية فشلت في وقف العنف في البلاد، خصوصا وأن أكثر من 450 قتيل سقطوا منذ وصول البعثة سوريا حسبما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان. لكن هايكو فيمن من المعهد الألماني للدراسات الأمنية والدولية في برلين يرى في مقابل هذا الفشل الواضح بعض الإيجابيات: "يجب القول إن ما قامت به الجامعة العربية في هذا الشأن فاق التوقعات. لم يكن أحد ينتظر من هذه المنظمة أن تصل إلى هذه المرحلة أصلا. بإمكاننا اعتبار ذلك تطورا إيجابيا".
فشل النظام في تبيض صورته
وكانت دمشق صادقت على بنود المبادرة بعد إجراء تعديلات عديدة عليها، من بينها استثناء المواقع العسكرية الحساسة والمناطق الساخنة من زيارة المراقبين، ما اعتبره العديد إفراغ المهمة من معناها. وما زاد الطين بلة انسحاب المراقب الجزائري أنور مالك من فريق البعثة وسط ضجة إعلامية كبيرة واتهامه للنظام السوري بالتضييق على عمل البعثة وباستغلال تواجدها في سوريا لقمع الاحتجاجات في البلاد.
من جانبه يرى فيمن أن النظام السوري فشل هو الآخر في تحقيق الهدف الذي كان يصبو إليه عندما وافق على دخول بعثة المراقبين أراضيه، ألا وهو تبييض صورته أمام المجتمع الدولي وتصوير المعارضة على أنها مؤامرة إرهابية تعود إليها مسؤولية قتل المدنيين في البلاد: "على عكس ما تقوله المعارضة السورية، فقد تمكن المراقبون بالفعل من الحديث مع مناوئين لنظام بشار الأسد، قاموا خلاله بسبه واتهموه بقتل أقربائهم. وأتوقع أن تجد هذه الملاحظات ترجمتها في التقرير الذي يسلم إلى الجامعة العربية".
مناورات خلف الكواليس
وبتسليم التقرير إلى الجامعة العربية، حيث تقول بيانات أولية عن مضمونه إن 40 في المائة منه سيكون لصالح المعارضة السورية، وقيام اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالملف السوري بدراسته وتقديم توصياتها لوزراء الخارجية العرب السبت والأحد المقبلين، يعود الملف السوري إلى المناورات السياسية والنزاعات القائمة خلف الكواليس، كما يوضح فيمن:"هناك أعضاء في الجامعة العربية سيحاولون إحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي. لكن في نفس الوقت هناك أعضاء مثل السودان والجزائر والعراق، سيرفضون ذلك لأن ملفهم ليس بأفضل. وعليه أستبعد أن يكون هناك إجماع في الموضوع".
وأمام هذا الخلاف ونفاذ خياراتهم يتوقع أن يتفق الوزراء العرب على تمديد مهام البعثة لشهر آخر في حين لمحت سوريا بقبولها ببقاء المراقبين دون توسيع لمهمتهم. وفي سياق متصل وصف أحمد بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية دراسة التقرير بالمرحلة المفصلية، موضحا أنه من اللازم معرفة ما إذا كانت اللجنة قادرة على مواصلة عملها في سوريا، أو إن كانت في حاجة إلى الاستعانة بخبرة الأمم المتحدة.
لا حلول في الأفق
في مسعى منه لتدويل الأزمة السورية، طلب وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه بتسليم تقرير المراقبين العرب إلى مجلس الأمن الدولي بينما دعا نظيره الأسترالي كيفين راد إلى إحالة بشار الأسد إلى القضاء الدولي. لكن الكثير من المراقبين يستبعدون نجاح تدويل الملف السوري من خلال إحالته على مجلس الأمن، وذلك بسبب معارضة روسيا، الحليف التقليدي لدمشق، لأي قرارات ضد سوريا. أما فيمر، فهو يشكك في لامحدودية ولاء روسيا لنظام الأسد على المدى البعيد، خاصة إذا تواصل القمع وارتفع عدد القتلى:"لن تقبل روسيا بأن ينظر إليها على أنها الحامية العالمية للأنظمة الدكتاتورية، حتى وإن كانت مصالحها الاستراتيجية تربطها حاليا بالنظام السوري. وهنا أذكر بالرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي دعمته روسيا لمدة طويلة لاعتبارات استراتيجية وأخرى متعلقة بالقومية السلافية، لكنها تخلت عنه في نهاية المطاف ".
في ظل انعدام حل واضح للأزمة، يحذر فيمن من تحول الأوضاع في سوريا إلى أوضاع تشبه تلك السائدة في عراق التسعينات من القرن الماضي، من خلال انحلال مؤسسات الدولة وتردي الظروف المعيشية لفئات عريضة من المجتمع. فقد تساعد هذه التطورات النظام في دمشق على القضاء على الثورة السورية والحفاظ على السلطة.
بشير عمرون
مراجعة: عبدالحي العلمي