قضية إقليم كوسوفو بين تجاذبات القوى الدولية
١٠ ديسمبر ٢٠٠٧تأخذ قضية إقليم كوسوفو منعطفا جديدا، بعد أن انتهت اليوم الاثنين (10 ديسمبر/كانون أول) المهلة التي حددتها الأمم المتحدة من أجل التفاوض على مستقبل الإقليم دون إحراز تقدم يذكر. وكان التقرير الذي رفعته الترويكا المؤلفة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا يوم الجمعة الماضي إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، قد كشف عن فشل المفاوضات التي راعتها الترويكا لمدة أربعة أشهر بين بلغراد وبرشتينا، إذ لم تتمكن الأطراف المعنية من التوصل إلى اتفاق حول وضع الإقليم، بسبب عدم استعداد أي من الطرفين لتقديم تنازلات.
ومن المنتظر أن يناقش مجلس الأمن الدولي تقرير الترويكا في 19 ديسمبر/كانون أول الحالي، لكن معطيات الوضع الحالي تشير إلى احتمال حدوث مواجهة بين روسيا والغرب بسبب قضية الإقليم. فموسكو تدعم موقف بلغراد الرافض لاستقلال الإقليم، في حين تدعم الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي استقلاله، وتبدي استعدادها للاعتراف بالإقليم في حال أعلن استقلاله من جانب واحد. جدير بالذكر أن الإطار القانوني للإقليم حاليا هو قرار مجلس الأمن رقم 1244 والقاضي بأن الإقليم هو جزء من جمهورية صربيا لكنه يتبع إدارة الأمم المتحدة.
أوروبا تميل إلى الاعتراف بكوسوفو
يحظى مشروع استقلال الإقليم بدعم الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا، حيث تدعو تلك الدول إلى الاعتراف باستقلال الإقليم حتى وإن جاء إعلان الاستقلال من جانب واحد. غير أن هناك دول أخرى تبدي ترددا إزاء الاعتراف بإعلان ألبان كوسوفو الاستقلال من جانب واحد خوفا من أن يشجع ذلك الجماعات العرقية أو القومية فيها على الإقدام على خطوة شبيهة. على رأس هذه الدول قبرص، التي تخشى أن يؤدي الاعتراف باستقلال كوسوفو إلى اعتراف دول أكثر باستقلال "الجمهورية التركية" في شمال الجزيرة. موقف قبرص يلقى دعما من اليونان وسلوفاكيا وأسبانيا والمجر، لأسباب داخلية تتعلق بالأقليات.
ومن المتوقع أن يسعى الزعماء الأوروبيون خلال قمتهم يوم الجمعة القادم إلى توحيد صفوفهم وتقديم موقف موحد بخصوص قضية كوسوفو، ويتوقع خبراء أن القمة قد تتفادى مسألة الاستقلال في الوقت الراهن لكنها ستؤكد استعدادها على تقديم مساعدات لوجستية مثل إرسال بعثات من الشرطة والقضاء وتعيين ممثل أعلى للإشراف على كوسوفو إذا طلبت حكومة كوسوفو الألبانية والأمين العام للأمم المتحدة ذلك.
كما سيسعى الاتحاد الأوروبي لتقديم رؤية للقضية داخل الإطار الأوروبي، في هذا السياق قال خافيير سولانا منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في مقابلة مع صحيفة فيلت أم سونتاج الألمانية: "من الواضح أن مستقبل صربيا وكوسوفو متعلق بالاتحاد الأوروبي. هذا أمر يتفق عليه الطرفان". من ناحية أخرى، تم الاتفاق على بقاء قوات حفظ السلام الدولية بقيادة حلف الناتو (كفور)- المشكلة من 16 ألف جندي،معظمهم من دول أوروبية- لمنع وقوع اشتباكات أو اندلاع العنف.
موسكو ترغب في استعادة نفوذها
يشكل الدعم الروسي لموقف صربيا المعارض لاستقلال كوسوفو حجر الزاوية في سياسة بوتين بخصوص منطقة البلقان، فموسكو ترغب في استعادة نفوذها في المنطقة، لذلك تعمل على عرقلة أو تأجيل دخول دول المنطقة في الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو . والموقف الروسي المعلن يساند الموقف الصربي الذي يطالب بالتمسك بالقرار الأممي رقم 1244 حتى يصدر قرار جديد. كما أشارت مواقف المسؤولين الروس في الأيام الأخيرة إلى أن موسكو لن تقبل بحل لقضية إقليم كوسوفو خارج مجلس الأمن الدولي، معتبرة أن المهلة التي انتهت 10 ديسمبر/كانون أول هي مهلة مصطنعة وليست ملزمة.
ومن جانبه حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الاثنين من أن الاعتراف باستقلال كوسوفو في حال إعلانه من طرف واحد ستترتب عليه "عواقب وخيمة" في البلقان ومناطق أخرى. وقال لافروف للصحافيين في قبرص، حيث يقوم بزيارة تستمر يومين ، إن الدول التي ستعترف بهذا الاستقلال " سترتكب انتهاكا للقانون الدولي ونحن لن نساند ذلك."
دعم أمريكي لاستقلال كوسوفو
يأتي الموقف الأمريكي الداعم لاستقلال الإقليم متناغما مع الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية في منطقة البلقان، والتي ترى أن استقلال الأقليات وتكوينها لدول مستقلة هو دعامة السلام في المنطقة. من ناحية أخرى يتفق الموقف الأمريكي مع سياسة الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جورج بوش والتي تضع نشر الديمقراطية والحرية على صدارة جدول أعمالها. جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي قام الصيف الماضي بزيارة تاريخية لم يسبقه إليها رئيس أمريكي إلى ألبانيا واستقبل هناك بحفاوة شعبية بالغة، وفي المقابل أيد الرئيس الأمريكي مسعى ألبانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، كما دعم المطالب باستقلال إقليم كوسوفو.