البلقان: مساعدة ألمانية لمواجهة تداعيات الحرب على المناهج المدرسية
٨ يناير ٢٠١٤كيف يمكن تدريس التاريخ في بلد مزقته حرب عانى من ويلاتها التلاميذ والمعلمين وأسرهم؟ معهد غيورغ ـ إيكرت الألماني، يكرس أبحاثه لهذا الموضوع منذ عقد من الزمن في البوسنة والهرسك. فالعاملون التربويون في بلدان البلقان يواجهون عددا من التحديات في طريق بناء مستقبل يسوده السلم والوئام هناك.
"كيف يمكنني الحديث عن الحدود الجغرافية لبلدي، دون الحديث تلقائيا عن الحرب؟" هكذا تتساءل سٍبيلا يفتيتش، وهي مدرسة مادتي التاريخ والجغرافيا في بانيا لوكا منذ عام 1993. يفتيتش عايشت شخصيا الحرب في هذه المدينة الواقعة شمال البوسنة والهرسك، وهي تتذكر بألم الويلات التي لحقت بأسرتها. فأبوها كان يحارب إلى جانب الصرب فيما عمل أعمامها الثلاثة لصالح الكروات. "أحكي للتلاميذ تجاربي الشخصية" كما تضيف يفتيتش، وهي تسعى بذلك إلى دفع التلاميذ إلى سلك نهج مغاير في التفكير. وتضيف: "لا يمكن التعامل مع موضوع الحرب من منظور واحد فقط". الذكريات الأليمة مترسبة بشكل عميق، ليس لدى المعلمين فقط ولكن أيضا لدى التلاميذ. إن معالجة موضوع الحرب في الفصل الدراسي عملية معقدة وصعبة، لكنها جد مهمة بالنسبة للمستقبل. من هذا الموقف عملت يفتيتش على المشاركة في الدورات التدريبية لمعهد غيورغ ـ إيكرت الألماني للبحوث الدولية في المناهج الدراسية، والذي يهتم بشكل خاص بموضوع الحروب الأهلية.
الحرب وقصصها اليومية
"غامرنا لأول مرة عام 2008 بخصوص موضوع كتابة التاريخ الحديث" كما تلاحظ منسقة المشروع، كتارينا بتاريلو ـ هينشن. إلا أن مقررات التدريس المقدمة لم تتعامل مع القضايا المثيرة للجدل، مثل العمليات الحربية ومعسكرات الاعتقال ومذبحة سربرينتشا، وركزت أساسا على قصص الحياة اليومية خلال أيام الحرب. التعامل مع هذا الموضوع بشكل أبعد لا يزال أمرا صعبا حتى يومنا هذا. وبما أن الحياة اليومية للصرب والكروات والبوسنيين خلال الحرب كانت متشابهة، فإنها تمنح أرضية مشتركة للنقاش بين جميع التلاميذ. فالجميع عايش الظروف المدرسية الأليمة أيام الحرب وكذلك الجوع أوانقطاع الكهرباء.
معهد غيورغ ـ إيكرت الذي يوجد مقره في مدينة براونشفايغ يعمل منذ عشر سنوات في إطار مشروع تدعمه الخارجية الألمانية، بهدف بلورة آليات تربوية عند التعامل مع موضوع الحرب الأهلية في المناهج المدرسية. وإلى جانب الاهتمام بمنطقة جنوب شرق أوروبا يقوم المعهد برعاية مشاريع مماثلة في عدد من مناطق النزاع في العالم، والتي تعاني من تداعيات الحروب الأهلية. في تسعينيات القرن الماضي شملت هذه المشاريع بلدانا مثل جنوب إفريقيا، وحاليا تشمل مناطق أخرى، مثل دول البلطيق وجورجيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا.
حقائق مختلفة عن الحرب
في عام 2003 بدأت عملية إصلاح منظومة المناهج المدرسية في البوسنة والهرسك. غير أن المدرسين خاصة من كبار السن لقوا صعوبات في تقبل وجهات نظر مغايرة بشأن تلك الحرب، كما تلاحظ كتارينا بتاريلو ـ هينشن، حيث طغت الرؤية الشيوعية على المنهج التدريسي وتقول هينشن: " في البداية كان رد فعل الكثيرين يتسم بنوع من الحساسية القوية تجاه ما يمثل رؤية مختلفة عن منظورهم بشأن الحرب، غير أن المصادر المختلفة أتاحت إمكانية النظر إلى نفس الحدث من زوايا مغايرة ".
من جهتها تعتبر مليسا فوريتش وهي مؤلفة مناهج مدرسية من "الجمعية الأوروبية لتدريس التاريخ" أن الحصول على المعرفة بشكل نشيط وايجابي يشكل أرضية مهمة في طريقة التعامل مع حروب البلقان في المناهج المدرسية. وقد عايشت فوريتش شخصيا وهي طفلة محاصرة سرايفو خلال الحرب. ومنذ البدء في إصلاح المنظومة التعليمية تساهم المؤرخة في بلورة مناهج دراسية جديدة هناك.